مع دخول اليوم الثاني من سقوط العاصمة السورية، بدأ المشهد يتكشف في إعادة رسم النفوذ في الدولة الاستراتيجية والتي ظلت محل أطماع واسعة .. فعليا نجحت العملية التي اطلقتها الفصائل المسلحة بمختلف تشكيلاتها قبل نحو أسبوع تحت مسمى "ردع العدوان" بدعم امريكي وغربي واسرائيلي، بالإطاحة بالرئيس بشار الأسد، لكن مع رحيل الأسد خسرت الدول العربية والإسلامية وحتى الأطراف الدولية نفوذها نهائيا وأصبحت سوريا بملعب أمريكا وإسرائيل.
بالنسبة للولايات المتحدة فالأمر قد حسم لصالح ابرز فرسانها، أبو محمد الجولاني، وهي الان تعد قائمة مكافئات شملت رفع الحظر عن جبهته واستهداف الفصائل الأكثر خصوما له تحت مسمى فصائل إرهابية والاهم انها حاولت المصالحة بين الجولاني واكثر فصائلها في سوري "قسد".
أمريكا التي رفضت مساعي تركية – روسية – إيرانية إضافة إلى دول عربية على راسها السعودية لخفض التوتر خلال لقاء الدوحة بدأت تفصيل سوريا وفقا لمقاسات اجندتها، فالجولاني اصبح بنظر الساسة الأمريكيين زعيم جديد هناك والخارطة الجغرافية ستقسم وفقا لمصالح أمريكا، وهو ما بات يثير مخاوف اطراف أخرى كتركيا وروسيا .
بالنسبة للأتراك الذين كان ينظر لهم على انهم وراء التصعيد الأخير، يبدو بأنهم بالغوا في الاحتفال مع اسناد الجولاني لأمريكا بصياغة مستقبل سوريا، وهاهم بعد ساعات على احتفالهم بموسيقى وادي الذئاب يقودن ارتالهم إلى شمال سوريا لمواجهة الخطر الداهم بعد كانوا اعتقدوا انهم سيطروا في سوريا ، والروس الذي ظنوا انهم مانعتهم حصونهم وقواعدهم عند الساحل الغربي لسوريا باتوا في حالة تأهب مع تكثيف أمريكا الحملات الإعلامية لدفع الفصائل المسلحة صوبها.
صحيح ان ايران خرجت من المشهد في سوريا ، لكن الامر ينطبق أيضا على الدول العربية بمن فيها السعودية والامارات ومصر وجميعها كانت تبحث عن نفوذ هناك، فهذه الدول الغائبة عن المشهد أصلا منذ بدء العدوان، وهاهي اليوم تخسر دولة كانت تزعم انها تسعى لإعادتها إلى الحضن العربي.
وحدهما الاحتلال الإسرائيلي وامريكا من يتسيد المشهد في سوريا الان، فالاحتلال يواصل شق طريقه بأريحية ويسر صوب العاصمة دمشق وقد نجح بتطويقها بغضون ساعات وصولا إلى مدينة البعث بريفها الشرقي ودرعا والسويداء بالغرب.
قد يكون تالاسد بنظر خصومه ديكتاتور وقد تصف حقبته بالكارثية في تاريخ سوريا ، لكن رحيله شكل أيضا كارثة حقيقة لمستقبل المنطقة وإعادة رسمها وفقا لمخطط "إسرائيل الكبرى" ووحدهم العرب والمسلمون من سيدفعون الثمن.