اليمن الإقتصادي :


بينما تتصاعد موجة خطط التسريح في كبرى الشركات الفرنسية، يجد الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه في مرمى الانتقادات، بعد رفضه القاطع لتأميم شركة "أرسيلور ميتال"، وهو ما اعتبرته النقابات واليسار الفرنسي تنصّلاً من المسؤولية الاجتماعية للدولة.
في هذا السياق، يتصاعد الجدل حول مدى قدرة الدولة على التدخل لحماية الوظائف، وسط تمسّك ماكرون بخطه الليبرالي.
وقد لجأت "فرنسا الأبيّة" لتقديم مقترح قانون في البرلمان، فيما طالبت النقابات باتخاذ تدابير أكثر صرامة تجاه الشركات التي تتلقى إعانات وتوزّع أرباحًا.
من جانبه، قال ماتيو بلان، الباحث بالمعهد الفرنسي لمراقبة الأوضاع الاقتصادية (OFCE)، إن الدولة محدودة التأثير في مواجهة موجات التسريح.
ويرى الخبير الاقتصادي ماتيو بلان أن الدولة، على الرغم من امتلاكها نظريًا أدوات كثيرة، تبدو في الواقع "مجرّدة من الوسائل الحقيقية" حين تواجه موجات تسريح كبيرة كالتي تشهدها فرنسا اليوم.
وأضاف أنه "حين تواجه الدولة موجة خطط اجتماعية كثيفة كتلك التي نعيشها الآن، تكون قدرتها على التدخل محدودة. قد تحاول التخفيف من حدة الصدمة، لكنها لا تملك فعليًا ما يكفي لوقفها أو تعديل مسارها بشكل فعّال".
وأشار بلان إلى أن "ماكرون يرفض التأميم لأنه يعتقد أن الدولة لا يجب أن تتدخل بشكل مباشر في المنظومة الإنتاجية، وهو موقف ينسجم مع خطه النيوليبرالي منذ وصوله إلى الإليزيه. لكن هذا الموقف لا يأخذ في الحسبان الضغط الاجتماعي المتنامي".
من جانبها، انتقدت سيلين أنطوان، الباحثة في السياسات الاجتماعية بمعهد "جان جوريس" موقف ماكرون واعتبرته "قرارًا أيديولوجيًا يفتقر للحس الاجتماعي"، في ظل شركات تُسرّح الموظفين رغم تحقيق الأرباح وتلقي الدعم العام.
وقالت: "هناك غضب اجتماعي متصاعد لأن المواطنين يشعرون بأن الدولة لم تعد تحميهم. ماكرون يتمسك برؤية متجاوزة تعتبر أن السوق يتدبّر أمره وحده. لكننا نعيش اليوم ظرفًا استثنائيًا يتطلب تدخلًا استثنائيًا".
وتتابع: "الدولة تملك أدوات حقيقية لم تستخدمها بعد. يمكنها على الأقل فرض شروط على المساعدات التي تقدمها للشركات، كمنع التسريح أو حظر توزيع الأرباح طالما أن هناك دعماً عاماً".
كما تحذر من تداعيات هذا الجمود السياسي: "إذا استمرت الحكومة في هذا المسار، فإننا نتجه نحو أزمة شرعية. حين يشعر العمال بأن الحكومة تقف إلى جانب رؤوس الأموال بدلًا من الدفاع عن مصالحهم، تتعمق فجوة الثقة وتترسخ الهشاشة الاجتماعية".
ما بين رؤية ماكرون التي تُراهن على قدرة السوق على تصحيح نفسه، وضغط اجتماعي متصاعد يُطالب بتدخل الدولة لإنقاذ الوظائف، تجد فرنسا نفسها أمام مفترق طرق اقتصادي-اجتماعي. قد يحدد هذا الجدل المتصاعد ليس فقط مستقبل العلاقة بين الدولة والشركات، بل أيضًا التوازنات السياسية في الانتخابات المقبلة.
وفي ظل استمرار خطط التسريح، وغياب حلول حقيقية توازن بين الربح والمسؤولية الاجتماعية، يلوح في الأفق صدام بين قصر الإليزيه وشارع يغلي.