اليمن الإقتصادي :

 عادت قضية ميناء قشن الذي آجرته حكومة الرئاسي للإمارات بصورة غير قانونية إلى الواجهة، مع استمرار محاولات أطراف في هذه الحكومة لتمرير الصفقة بعد أن عملت على توفير غطاء برلماني لها.

وكشف إعلاميون عن تواصل مساعي أطراف في حكومة الرئاسي لتمرير صفقة تأجير ميناء قشن لشركة إماراتية رغم عدم قانونية الصفقة، وذلك بالاستناد إلى تقرير اللجنة البرلمانية التي كُلفت بالتحقيق وتقصي الحقائق حول الصفقة، فلم تقم بأي تحقيق أو تقصي بل اكتفت برفع تقريرها بناء على إجابات وزير النقل في حكومة الرئاسي الذي يعد طرفا في الصفقة.

وأوضح الصحافي المتخصص بالشأن الاقتصادي، ماجد الداعري في منشور له على "فيسبوك" أن تقرير اللجنة تجاهل استكمال مهام التحقيق بشأن قانونية تأجير ميناء قشن بالمهرة، وعمليات البيع الحكومية الملتوية لقطاعات نفطية وغازية في شبوة وحضرموت لصالح شركة مشبوهة تأسست قبل عام، وخلافا لموافقة اي أغلبية بالبرلمان أو مناقشة الأمر أساسا، وخلافا لنصوص الدستور والقانون والإجراءات والشروط التنظيمية الخاصة، حسب تعبيره.

وقال الداعري أن التقرير لم يناقش أساسا من قبل أعضاء البرلمان (الموالين للتحالف) العاجز عن الالتئام، إضافة لعدم حصول ذلك التقرير وما جاء فيه، على أي موافقة برلمانية تجعله بمثابة قانون ملزم التنفيذ.. موضحاً أن- ما يسميه المجلس الرئاسي المشكل من الرياض بالبرلمان- لم يمنح الحكومة الموالية للتحالف اي ثقة برلمانية تجعلها ومؤسساتها ملزمة بتنفيذ توجيهات رئاستها أو أعضائه المقيمين خارج البلد وبالمنفى المريح، بعيدا عن أوجاع ومعاناة شعبهم المفترض أنه صاحب الشرعية- حسب تعبيره.

وتساءل الداعري قائلاً: فبأي صفة قانونية أو تنفيذية يأمر البركاني، حكومة الرئاسي بسرعة إجراء تحقيق ومحاسبة القائمين على وكالة سبأ (نسخة عدن) وتحميل الحكومة عموما ووزارة الاعلام بعدن بشكل خاص، مسؤولية الامتناع القانوني عن نشر تقرير غير مكتمل ولا مصوت عليه برلمانيا!.

وكانت وكالة الأنباء اليمنية سبأ، (نسخة الرياض)، رفضت نشر تقرير اللجنة البرلمانية التابعة للرئاسي، أو التعاطي مع أخباره، في تأكيد صريح على عدم قانونيته ما دفع برئيس البرلمان الموالي للتحالف سلطان البركاني إلى رفع رسالة استياء كشفت ضمناً عدم قانونية التقرير أيضاً، الذي لم تتعاط معه وسائل الاعلام التابعة لحكومة الرئاسي، ما يؤكد أن التقرير ليس سوى محاولة لتمرير الصفقات غير المشروعة بغطاء برلماني.

وأثيرت الكثير من الشكوك حول صفقة ميناء قشن التي منحت بموجبها هذه الحكومة شركة إماراتية الامتياز بإنشاء ميناء في المنطقة، أعلن أنه سيكون خاصاً بالأنشطة التعدينية، وخاصة تصدير الحجر الجيري، والأهداف الحقيقية من وراء إنشاء هذا الميناء، ولا سيما في ظل تسابق السعودية والإمارات للسيطرة على السواحل والجزر اليمنية، ومنابع الثروات.

وفي إطار مساعيها لإتمام هذه الصفقة، التي لاقت معارضة ورفضاً كبيرين من أطراف سياسية يمنية، ومكونات مجتمعية من أبناء المهرة، على رأسها لجنة الاعتصام السلمي بالمحافظة، الرافضة لسيطرة التحالف السعودي الإماراتي على السواحل والمنافذ والمناطق الاستراتيجية، اتجهت الحكومة الموالية للتحالف نحو محاولة إضفاء بعض المشروعية على الاتفاقية الموقعة بين وزارة النقل والسلطة المحلية في المهرة من جهة، وشركة أجهام الإماراتية من جهة أخرى، وذلك من خلال تمريرها عبر البرلمان التابع لهذه الحكومة، حيث قام الأخير مطلع العام الجاري بتشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق حول منح الامتياز للشركة الإماراتية لإنشاء هذا الميناء.

ورغم مسمى اللجنة البرلمانية التابعة لحكومة الرئاسي، والذي تضمن "تقصي الحقائق" حول الصفقة، وبما يحمله هذا المسمى من دلالة تعكس ما شاب هذه الصفقة أو الاتفاقية من ثغرات قانونية ومخالفات، علاوة على ما هو خافٍ وراء الغرض الحقيقي من إنشاء هذا الميناء، إلا أن هذه اللجنة لم تقم بأي تقصٍ ولم تكشف أي حقائق، واكتفت بلقاء وزير النقل في الحكومة الموالية للتحالف عبدالسلام حميد، ونائبه ووكلاء الوزارة وعدد من مدراء العموم فيها،  وطرحت عليهم عدداً من الأسئلة المتعلقة بمدة العقد الممنوحة لشركة أجهام الإماراتية، وما هي العوائد المالية المتوقعة من هذا المشروع، وما إذا كان المشروع مخصصاً فقط لتصدير الحجر الجيري أم أن هناك أهدافاً اقتصادية أخرى من ورائه.

كانت التساؤلات التي طرحتها اللجنة البرلمانية على وزير النقل، حول تسليم ميناء قشن للشركة الإماراتية من السهولة بحيث لا تحتاج إلى كثير جهد للرد عليها، بل إن الأمر بدا تحصيل حاصل، حيث كان الوزير قد أعد الرد عليها كتابياً كما وضحته اللجنة في تقريرها حول القضية، وهو ما يشير إلى أن ما جرى لم يكن سوى سيناريو، أعدت بموجبه اللجنة البرلمانية تقريرها الذي اقترح تعديلات شكلية في صياغة مسودة الاتفاقية، بدون التطرق إلى أي من المخالفات التي تضمنتها، ما عدا مادة واحدة من مواد الاتفاقية، وهي المادة الخاصة بتحديد المدة الزمنية للامتياز الممنوح للشركة والمحدد بـ 50 عاماً، قابلة للتجديد لفترة مماثلة بموافقة الطرفين، حيث قالت اللجنة في تقريرها إن هذه المادة تناقض نص المادة 9 –أ- 7 من قانون الموانئ البحرية رقم (23) لعام 2013م، والتي تحدد المدة الفعلية لعقد التشغيل بأن لا تزيد عن 30 عاماً، ثم عادت اللجنة للتبرير والتماس العذر للجانب الحكومي، بأنه وقع في لبس بين تلك المادة ومادة أخرى من القانون ذاته.

وبالنظر إلى ضآلة العائدات التي يمكن أن تعود بها هذه الصفقة على خزينة الدولة، والتي لا تتعدى عشرات آلاف الدولارات في العام الواحد، وفقاً لما أورده تقرير اللجنة البرلمانية نقلاً عن الرد المكتوب الذي قدمه الجانب الحكومي على الأسئلة التي طرحتها، بالمقارنة مع ما ستكسبه الشركة المشغلة، والمقدر بعشرات الملايين من الدولارات سنوياً، فإن الجدوى من وراء هذه الاتفاقية وهذا المشروع، تكاد تكون منعدمة، وهو ما يعزز الشكوك حول الهدف الحقيقي من ورائها، كما يضع المزيد من علامات الاستفهام حول إصرار الحكومة الموالية للتحالف على تمريرها.

وبالعودة إلى تقرير اللجنة، وما أورده من ردود على أسئلتها الموجهة للجانب الحكومي، والتي قال التقرير إن وزير النقل قدمها مكتوبة، فإن الإجابة على السؤال الخاص بما إذا كان المشروع مخصصاً فقط لتصدير الحجر الجيري، أم أن هناك أهدافاً اقتصادية متعددة من ورائه، جاءت ضمن الحديث عن العوائد المالية والاقتصادية التي يمكن أن تحصل عليها الدولة من وراء المشروع، حيث جاء فيه ما نصه: "بإمكان مؤسسة موانئ البحر العربي استخدام الميناء في إدخال سفن كبيرة إذا دعت الحاجة"، وهو ما يكشف أن نشاط الميناء لن يكون محصوراً في ما تم إعلانه، بخصوص تصدير الحجر الجيري، إذ أنه ما دام بإمكان مؤسسة موانئ البحر العربي استخدامه في إدخال سفن كبيرة، فإن ذلك لن يكون ممنوعاً على التحالف الذي يسيطر أساساً على السواحل اليمنية في جميع المناطق الواقعة تحت السيطرة الإسمية للحكومة الموالية للتحالف.