اليمن الإقتصادي :

عبدالكريم عامر 
يصادف حلول شهر رمضان هذا العام مع موجة حرارة مرتفعة قياسًا إلى ما اعتاده سكان صنعاء من برودة الجو أواخر الخريف والشتاء، واعتداله في الربيع والصيف. ذلك دفع سكان المدينة للبحث عن وسائل لتلطيف هذا الطقس الحار، خاصة بعد صيام يمتد قرابة 14 ساعة في اليوم. 

ومع ارتفاع أسعار خدمة الكهرباء، لم يعد الكثير من سكان صنعاء يستخدمون ثلاجاتهم القديمة، وفي حين لجأ بعضهم لشراء ثلاجات اقتصادية ذات قدرة استهلاكية منخفضة للكهرباء، سواء بالطاقة الشمسية أو بالكهرباء التجارية، لم يتمكن البعض الآخر، وهم الأغلبية، من ذلك. وهكذا انتعشت تجارة الثلج، وأقبل على الاستثمار فيها كثير من التجار الذين افتتحوا ثلاجات تبريد مركزية للمياه المعدنية والغازية والشعير. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال بائعو قوالب الثلج على الأرصفة يستقبلون زبائنهم البسطاء الذين لا يستطيعون شراء الثلج المعلب.

وتشهد تجارة الثلج ازدهارًا في طقس صنعاء الحار، خصوصًا أنه يتوافق مع شهر رمضان الجاري (1444هـ)، الذي يفضل فيه الصائمون المشروبات الباردة، للارتواء من عطش الصوم طيلة نهاراتهم المُشمسة. 

تبلغ ذروة الإقبال على شراء الثلج في صنعاء أثناء موسم الصيف، وهي تجارة بدأت في الظهور في شوارع المدينة منذ أواخر العام 2015، عندما اشتدت ضراوة الحرب في عامها الأول، وانقطع التيار الكهربائي الحكومي بصورة نهائية عن العاصمة ومعظم المدن الرئيسية. كانت الكهرباء الحكومية تشكل شريانًا مهمًّا لحياة الناس في المدن، يعتمدون عليها في إدارة كثير من جوانب حياتهم، وكانت مصانع الثلج التقليدية (القوالب الكبيرة) تشكّل مصدر دخل لآلاف الأُسَر، كما شكلت محلات ونقاط بيع الثلج بديلًا مناسبًا لغالبية الأُسر الفقيرة لشراء حاجتها منه، خاصة في المحافظات الساحلية والقريبة من الساحل. 

خالد قاسم (55 سنة)، وهو مالك لمصنع ثلج تقليدي في منطقة "عَصِر" غرب مدينة صنعاء، يقول لـ"خيوط": "يتحرك العمل في المصنع خلال أيام الصيف مع ارتفاع حرارة الطقس، وكذلك في شهر رمضان الكريم". وعلى الرغم من انتشار ثلاجات التبريد المركزية، تظل قوالب الثلج هي الملاذ الأقرب لشريحة واسعة من السكان لعدم قدرتهم على تحمّل تكاليف الاشتراك في الكهرباء التجارية ذات القيمة السعرية العالية. 

يؤكد ذلك بائع الثلج يحيى الحيمي ( 38سنة)، الذي تحدث لـ"خيوط" بلهجة صنعاء: "بِهْ ناس خيرات (كثير) ظروفهم تاعبة، ما يقدروش يدخّلوا لبيوتهم عدادات كهرباء تجاري ويشغّلوا حقّهم الثلاجات، يرجعوا يشتروا لهم ثلج جاهز ويمشّوا حالهم".

انتعاش بيع الثلج في رمضان

في حياة المسحوقين يبقى جحيم ارتفاع الأسعار لمعظم احتياجاتهم الأساسية، هو سيد الموقف، حيث يظلون عاجزين عن توفير أبسط الأشياء الضرورية لإنعاش أرواحهم المنهكة بعد صيام ساعات النهار الطويل وشديد الحرارة. 

مُلك المطري (50 سنة)، تقول لـ"خيوط": "أشتري قالب ثلج صغير أبو (فئة) 300 ريال، لكي نشرب ماء بارد على الفطور. ما نقدرش نشترك بالكهرباء التجاري". تبدو حالة ملك نموذجًا معبرًا عن أوضاع عشرات الآلاف من الناس في صنعاء، الذين يفتقدون لأبسط الخدمات الأساسية في ظل واقع معيشي شديد القسوة، بحيث صار الثلج أحد أمنياتهم على موائد الإفطار الرمضاني.

وتضاعفت أسعار قطع الثلج خلال السنوات الخمس الأخيرة؛ نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، بل وانعدامها أحيانًا. 

يشير المواطن خالد الحازي (44 سنة)، إلى أن مائدته الرمضانية لا تكتمل إلا بوجود الثلج. يقول خالد في حديثه لـ"خيوط": "لو ما بِشْ ثلج ما بِشْ لذة للماء ولا للعصير، ضروري لما نفطر نشرب حاجة باردة". وخلافًا للأيام العادية، فإن أسعار الثلج تتضاعف في رمضان بسبب الإقبال المتزايد من المواطنين على شرائه طيلة أيام شهر الصيام. ويصل سعر بيع التجزئة لقالب الثلج الواحد صغير الحجم نحو (600 ريال)، ما يعادل دولارًا واحدًا بحسب سعر صرف العملة في مناطق سيطرة حكومة صنعاء . 
نصر اللَّدَاني (35 سنة)، وهو تاجر مواد غذائية، يؤكد في حديثه لـ"خيوط" ارتفاع سعر الثلج مع حلول الشهر الكريم. يقول نصر: "تتضاعف أسعار الثلج في رمضان وفي أيام الصيف، وهو موسم لأصحاب مصانع الثلج". 

يصل سعر قالب الثلج المتوسط في رمضان نحو (6000) ريال، ما يعادل 10$. بينما يُرجع مالك مصنع الثلج في منطقة "عصِر"، خالد قاسم، هذا الارتفاع في السعر، إلى أزمة الوقود التي تدخل عامها الثاني على التوالي في أبريل/ نيسان الجاري (2021) بالنسبة لصنعاء ومناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين). يقول مالك هذا المصنع لـ"خيوط": "ارتفاع أسعار الثلج بسبب أزمة الديزل وارتفاع أسعاره؛ لأن مصانع الثلج تحتاج إلى وقود كثير للآلات والمعدات، كما أن تكاليف توزيعه مرتفعة، والسبب الرئيسي أيضًا هو ارتفاع أسعار المشتقات النفطية". ويضيف أن الحصول المشتقات النفطية أصبح شاقًا جدًّا، وفي كثير من الأوقات تكاد تنعدم فيتضاعف سعرها في السوق السوداء، وينعكس ذلك على المواد التي يتطلب إنتاجها للوقود. 

ووفقًا لقاسم، فإن زيادة أسعار الثلج تأتي متزامنة مع موجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأساسية، الأمر الذي يخلق عبئًا ثقيلًا آخر على المواطنين، مشيرًا إلى أن "بعضهم لا يستطيع توفير حاجته الضرورية من الغذاء له وأسرته". يؤكد ذلك حسن عمر (40 سنة)، وهو نازح من محافظة الحديدة بسبب الحرب، إذ يقول بلهجته التهامية: "يلّا أهب لي خبزُ أنا وعيالي، الثلج أنا ما أشابه، ولا أقدر أشتريه"؛ أي: "بالكاد أستطيع توفير الخبز لي ولعيالي، الثلج لا أريده ولا أقدر أشتريه".

معاناة مضاعفة

تعاني الكثير من العائلات الفقيرة من نفاد الثلج في وقت قياسي في أيام شهر رمضان، نتيجة الإقبال عليه من فئات كثيرة يحتاجون إليه في تبريد مشروباتهم وعصائرهم. 

تاجر المواد الغذائية، نصر، أضاف لـ"خيوط" أن هذا الإقبال على شراء الثلج لا يكون بهذه الكثافة إلا في رمضان؛ "بعده ما عاد أحد يدوّر (يطلب) ثلج". ولذا يبدو برأيه أن افتتاح مصانع جديدة للثلج أمرًا صعبًا. وعلاوة على ذلك، لا يحصل كل فرد من الأسر الفقيرة التي يصل تعداد بعضها نحو (15) فردًا، على احتياجهم الكافي من الثلج، نظرًا لزيادة أسعاره وعدم قدرة ربّ الأسرة على توفيره لجميع أفراد أسرته، كما هو حال المواطن إسماعيل معوضة (50 سنة)، الذي قال لخيوط: "بيتي ملان، والحالة صعبة، ما نشرب ماء بارد إلا بالفطور بس، قد الثلج غالي".

ويتمنى كثير من المواطنين، الذين توقفت ثلاجات منازلهم بسبب انقطاع الكهرباء منذ قرابة ست سنوات، أن يتذوقوا شربة باردة لكوب ماء أو عصير، ووصلت هذه الأمنيات إلى بعض فاعلي الخير من رجال الأعمال وأرباب المهن المدرّة للدخل، فاعتمدوا الثلج ضمن المعونات التي يتعهدون بها الفقراء والمعدمين في أيام شهر رمضان، كاعتياد سنوي لتوزيع الصدقات في الشهر المبارك.