اليمن الإقتصادي :

محيي الدين فضيل
ما أن يبدأ النصف الأخير من شهر شعبان كل عام، حتى يشدّ الشاب شكري بريطان (25 سنة) رحاله نحو شجر الأراك، في المناطق الغربية لمحافظة لحج، وخاصة بلدة "الحينة". منذ أربع سنوات يقوم برحلاته الشاقة هذه بهدف الحفر وتجميع أكبر كمية من جذور الأراك، استعدادًا لبيعها في أكثر المواسم رواجًا لهذه الشجرة. إذ يقبل على شرائها آلاف المسلمين خلال أيام شهر رمضان الفضيل، والذي يعد من أفضل المواسم بيعًا لعود الأراك، إن لم يكن أفضلها على الإطلاق.

يقول بريطان أن عملية استخراج جذور الأراك ليست سهلة، وتستلزم عزيمة لا تعرف اليأس، وتوفير أدوات مناسبة للحفر، ومساعدين في عملية الاستخراج والتجفيف وتجميعه وتقطيعه، ومن ثَمّ ترويجه للأسواق في المدن.

وتشهد الأيام الأولى من شهر رمضان ارتفاعًا في أسعار جذور الأراك (المساوِيك)؛ نظرًا للإقبال الكثيف عليها من قبل المسلمين الصائمين، حتى إنه قد يندر توفرها أحيانًا في الأسواق الريفية، بسبب توجّه الباعة لبيعه في المدن الرئيسية، مثل عدن ولحج.


يضيف بريطان في حديثه لـ"خيوط": "ليست كل أعواد (جذور) الأراك التي أبيعها من جهدي في الاستخراج، فأحيانًا أضطر للتعامل مع بعض الأسر التي تعتمد على استخراج هذه الجذور كمصدر دخل لها، وهم أيضًا يسوّقونها إلى عدن". يفعل الشاب بريطان ذلك لتوفير تكلفة السفر من عدن إلى الريف الغربي لمحافظة لحج، كما يقول. وعن أسعار شرائها، يتابع القول إنه يشتري المئة العود بخمسة أو ستة آلاف ريال، ويبيعها في المدينة بما يقارب عشرة آلاف ريال في موسم رمضان، وذلك لأهميته الدينية والصحية. كما يشير هذا الشاب العصامي إلى أن معدل ما كان يكسبه في السنوات القليلة الماضية من بيع المساوِيك، يتفاوت بين 80-100 ألف ريال أسبوعيًّا، أي ما يعادل 100-120 دولار. 

أحمد السريري، هو الآخر شاب يقوم برحلات برية غرب محافظة عدن لاستخراج جذور الأراك، وهو من سكان قرية "العزقة" التابعة لمحافظة لحج، لكنه اعتاد الذهاب نحو قرية "مشهور" غرب عدن برفقة 15 زميلًا له؛ يرابطون أيامًا في المنطقة التي يتواجد فيها هذا العود بكثرة. ولذلك يأخذون معهم ما يكفيهم من الطعام والشراب، بالإضافة إلى ثلاث عربات صغيرة تحمل صهاريج مياه، وسيارة خاصة يستأجرونها لتنقّلهم في فترة مكوثهم في المنطقة للبحث عن شجر الأراك.

منذ العام المنصرم 2020، وفي ظل أزمة تفشي جائحة كورونا، تلاشت أحلام بائع المساويك يوسف الصبيحي، الذي كان يقوم بتصدير وبيع عود الأراك بالجملة نحو الأراضي السعودية
ولأن الربح من هذا العمل يعتمد على الكمية المستخرجة من الجذور وعلى حصيلة بيعه، يقوم السريري ورفاقه بإبرام اتفاقات مسبقة، حيث يخصصون 25% من حصيلة البيع لسائق السيارة التي تقلّهم، وبعد أن يجمعوا ما يكفي من الجذور للتسويق، يرسلون أحدهم إلى مدينة عدن لبيعها بسعر الجُملة. ويوضح السريري أن الصعوبات التي يواجهونها أثناء عملية الحفر كثيرة، ومنها منعهم من الحفر في بعض الأماكن، بالإضافة إلى انتشار الثعابين التي تحفر جحورها تحت شجر الأراك، لافتًا إلى أن كثيرين من العاملين في استخراج وتسويق المساويك، يتعرّضون للدغات الثعابين، الأمر الذي يستدعي نقلهم إلى مستشفيات مدينة عدن، وهو ما يضاعف خسائرهم المالية ويشكل خطورة على حياتهم في الوقت نفسه.

منذ العام المنصرم 2020، وفي ظل أزمة تفشي جائحة كورونا، تلاشت أحلام بائع المساويك يوسف الصبيحي، الذي كان يقوم بتصدير وبيع عود الأراك بالجملة نحو الأراضي السعودية. تسببت موجة تفشي الجائحة الأولى في عدم قدرته على البيع والتصدير نحو المملكة الغنية، حيث كان يحقق له ذلك رافدًا اقتصاديًّا كبيرًا، مقارنة بالبيع في السوق المحلية. وبسبب عودة الموجة الثانية من الجائحة في هذا العام 2021، سوف يستمر الحال بالنسبة ليوسف، كما في العام الماضي.


يقول يوسف لـ"خيوط": كنت أبيع الكيس الواحد بـ12 ألف ريال، لتجار يبيعونه بدورهم في السعودية، لكن بسبب كورونا أصبحت أبيعه في السوق المحلية بسبعة آلاف ريال، وأحيانًا ينخفض السعر إلى أربعة آلاف ريال". هذا السعر بالنسبة ليوسف لا يكفي حتى لتغطية كلفة استخراج المساويك؛ لأن لديه مساعدين في الحفر والتقطيع والجمع والتغليف، كما يقول. 

مهنة بيع المساويك صارت مصدر دخل رئيسي لكثير من الأسر التي تعتمد عليها لتوفير ما يمكن من احتياجات معيشتها، في ظل الفقر والبطالة، كما يشير إلى ذلك أحمد علي الحيراني، وهو شخصية محلية في الريف الغربي لمحافظة لحج، ومهتم برصد ومتابعة أحوال مستخرجي عود السواك من المنطقة. ويضيف في حديثه لـ"خيوط" أن هذه المهنة وفرت فرص عمل معقولة لعشرات من الأيدي العاملة في السنوات الأخيرة، في ظل شحة فرص العمل بسبب استمرار الحرب.

ويستخدم المسلمون جذور الأراك للسواك في رمضان بسبب توجّه الناس للالتزام بالأعمال التعبّدية خلال أيامه ولياليه. ويستخدم لتطهير الفم وفرش الأسنان.
- نقلا هن خيوط