اليمن الإقتصادي :

ياسمين الصلوي
"كل سنة يأتي رمضان وقد جهزنا كل احتياجاته من مواد غذائية وتغيير الأجهزة المنزلية حتى فرش البيت وملابس الأطفال حق العيد، لكن بعد الحرب نعجز عن شراء حتى الملح "ملح الطعام"، بهذه الكلمات يبدأ محمد عايش (50 سنة) حديثه لـ"خيوط".

محمد عايش (اسم مستعار)، يعمل موظفًا في إحدى المؤسسات الحكومية في الحديدة، توقف راتبه مع الآلاف من الموظفين الذين فقدوا رواتبهم منذ نهاية العام 2016، يضيف قائلًا: "الحرب قتلت آمال الناس، فكل الشهور والأيام أصبحت عادية بسبب الفقر والحرب في المدينة".

وتشهد محافظة الحديدة احتقانات واضطرابات متواصلة منذ بداية الحرب الدائرة في اليمن، والتي دخلت عامها السابع، وشهدت فيها أبرز مناطق الساحل الغربي معاركَ عنيفة بين القوات المحسوبة على الحكومة المعترف بها دوليًّا والمدعومة من التحالف "السعودية والإمارات"، قبل أن يوقفها اتفاق ستوكهولم الساري منذ نحو عامين، مع بقاء التوترات والمناوشات من وقت لآخر بين قوات طرفي الصراع المتمركزة في مناطق متقاربة على امتداد مناطق الساحل الغربي لليمن.

وأثّر ذلك في تردي الوضع المعيشي للسكان، الذين يعانون من فقر مزمن، فاقمته الحرب إلى مستويات متدنية تصنفها منظمات أممية بالجوع الشديد، وهو ما ترك تبعات بالغة على قدرات الناس المعيشية، ووصول الأمر، في مواجهتهم، إلى عجز شديد عن تلبية أبسط وأرخص السلع التي يمكن شراؤها، مثل الملح، الذي لا يتعدى سعر العبوة الواحدة منه الـ200 ريال.

استعداد باهت لرمضان

ليس عايش وحده من يستقبل رمضان لهذا العام بأيدٍ فارغة، سهيلة فتيني (44 سنة)، وهي أم لأربعة أطفال، وتعيش في أحد الأحياء الشعبية في المدينة، هي الأخرى أصبحت تستقبل رمضان مثل بقية الأشهر، على عكس السنوات الماضية قبل الحرب، وتتابع بالقول: "كنا نستعد لاستقبال رمضان من قبل شهر ونص، الأسعار كل سنة تزداد، في رمضان أصبحنا ننتظر المساعدات التي ينفقها أهل الخير أو نتضور جوعًا".

أصبح كثير من المواطنين في الحديدة، بفعل الظروف المادية المتردية، بالكاد يستطيعون توفير ما يسد رمقهم، ناهيك عن الأسر التي باتت تتضور جوعًا وغير قادرة على توفير المتطلبات الأساسية
وتشير في حديثها لـ"خيوط"، إلى أنها كانت تشتري متطلبات رمضان من حلوى الكاسترد (المحلبية) وبعض الحلويات السائلة والمشروبات والمواد الغذائية والمتطلبات الخاصة بشهر رمضان.

كان أغلب السكان لا يستغنون عن شراء هذه المواد التي تعتبر من أهم المتطلبات الضرورية، خصوصًا أن شهر رمضان يصادفه دخول فصل الصيف. لكن بسبب انقطاع الكهرباء، توقفت سهيلة عن شرائها، إضافة إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير، وعدم قدرتها على إدخال الكهرباء التجارية من أجل تشغيل الثلاجة، حسب قولها.

سهيلة وغيرها كثيرون من سكان الحديدة، الذين لم يعد بمقدورهم الذهاب إلى الأسواق ودخول محلات المواد الغذائية وشراء احتياجات شهر رمضان، جراء الغلاء الفاحش الذي لم تعهده المدينة من قبل، والذي صاحبه انقطاع الرواتب، وتوقف الكثير من الخدمات والمؤسسات وتدمير أخرى، ونزوح الكثير من ملاك المشاريع إلى مدن ومناطق أخرى، والذي نتج عنه قلة فرص العمل في المدينة واتساع رقعة الفقر.


المواطنة نبيلة عبسي (30 سنة)، تتحدث لـ"خيوط" أثناء تواجدها أمام أحد المحال التجارية في سوق "المطراق" في المدينة، أن الحديدة لم تعهد من قبل هذا الغلاء الذي تعيشه مع تدهور الوضع المعيشي لغالبية سكان المحافظة، في ظل عجز شريحة واسعة من المواطنين على تحمل هذا الوضع.

تضيف سهيلة، بلكنتها التهامية، وهي ترفع بيدها كيسًا من البلاستك، يحتوي على بعض قطع الثوم به: "ما نوطي (ما الذي سنفعله)؛ ذه كيلو ثوم، كنت أشتريها بألف ريال، (امسنة) السنة هذه نأخذه بـ1500 ريال، كل سنة لما قده رمضان قريب ترتفع الأسعار وكل تاجر يبيع بمزاجه، وضع امبلاد (البلاد) من جهة، وجشع امتجار (التجار) من جهة أخرى".

تغير حال الناس 

يأتي رمضان ويغير روتين الحياة التي يعتاد عليه المواطنون في شهور السنة الأخرى، كما تتغير المأكولات بوجبات خاصة بالصيام، ومثلجات وحلويات، ويتم توضيب وترتيب المنازل، ويُقبل المواطنون على شراء الأواني المنزلية والأثاث.

لكن خلال السنوات الأخيرة، اختلف الوضع كثيرًا، كما يقول سالم أحمد، لديه بقالة "محل تجاري لبيع المواد الغذائية بالتجزئة"، في أحد الشوارع في مديرية الحالي عاصمة المحافظة، ويقول إن وضع الناس تغير كثيرًا، وهو ما أثر على قدراتهم الشرائية بشكل كبير، بعد أن كانت موائدهم متنوعة بالمأكولات، خصوصًا في شهر رمضان المبارك.


يواصل حديثه بنبرة بائسة: "وصل سعر الكيلو اللحم إلى 700 ألف ريال، كما ارتفع سعر الدواجن والأسماك، وكذلك الفواكه والخضروات وتوقفت الأجهزة المنزلية عن العمل بعد انقطاع الكهرباء".

وأصبح كثير من المواطنين، بفعل الظروف المادية المتردية، بالكاد يستطيعون توفير ما يسد رمقهم، ناهيك عن الأسر التي باتت تتضور جوعًا وغير قادرة على توفير المتطلبات الأساسية.

أسواق بلا مواطنين 

كانت الأسواق الشعبية والمحال التجارية تتهيأ لاستقبال المواطنين، الذين يقبلون عليها لشراء احتياجات شهر رمضان المبارك، حيث يزوّدون مخازنهم بكميات كبيرة من المواد الغذائية والبهارات والمقبلات، ويعتبرونها فرصة لطلب الرزق، وموسم استثنائي وجب الاستعداد له.

يقول تاجر مواد غذائية (فضّل عدم ذكر اسمه)، لـ"خيوط": "كنت أكتفي بشراء بضاعة بنحو 5 ملايين ريال، وكانت تملأ المحل والمخزن. الآن أشتري بحوالي 7 مليون، وكأنها مليوني ريال، وتظل مكدسة لفترة طويلة"، يضيف.

تغير الوضع كثيرًا، حسب وصف كثير من سكان الحديدة، فقد تسببت الحرب في قتل وتلاشي جميع مظاهر الحياة في المدينة التي كانت تنبض بحياة متدفقة تزداد توهجًا في شهر رمضان المبارك، إذ نالت الحرب وقصف طيران التحالف "السعودية والإمارات" من مظاهر الحياة وكثير من المنشآت والممتلكات وتفشي البطالة والفقر
وتشهد الحديدة ارتفاعات قياسية في أسعار المواد الغذائية، يقدرها متعاملون في الأسواق بنسبة 120%، إذ يصل سعر الكيلو غرام الواحد من الأرز إلى 400 ريال بزيادة 100 ريال مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، بينما وصل جالون الزيت 20 لترًا إلى أكثر من 18 ألف ريال، بعد أن كان سعره العام الماضي 11 ألف، فيما زاد الكيلوغرام الواحد من الدقيق إلى 350 ريالًا، من 200 ريال.

الحرب تقتل الحياة

في مثل الفترة هذه التي تسبق حلول شهر رمضان، كانت الفرحة بقدومه تعم الناس في الحديدة، والتي تنعكس باستعدادات واسعة لتوفير احتياجاته المتنوعة، من مختلف السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، إضافة إلى المهرجانات والمسابقات والفعاليات التي كان الناس ينتظرونها بشغف كبير.

حاليًّا تغير الوضع كثيرًا، حسب وصف كثير من سكان الحديدة، فقد تسببت الحرب في قتل وتلاشي جميع مظاهر الحياة في المدينة التي كانت تنبض بحياة متدفقة تزداد توهجًا في شهر رمضان المبارك، إذ نالت الحرب وقصف طيران التحالف "السعودية والإمارات" من مظاهر الحياة وكثير من المنشآت والممتلكات وتفشي البطالة والفقر وتردي الوضع المعيشي، والذي أدى إلى توقف مشاريع وإغلاق عدد من المحال التجارية بفعل ضعف الإقبال عليها.

وأثرت الحرب كثيرًا على مختلف جوانب الحياة المعيشية في الحديدة، إذ زادت تكلفة المواصلات بفعل تدمير وإغلاق الطرق الرئيسية، والتي نتج عنها استحداث طرق فرعية بعيدة عن مناطق الصراع، فاقمت الأوضاع، وكانت إلى جانب أزمة الوقود وارتفاع أسعار المشتقات النفطية وبيعها في الأسواق السوداء بأسعار خيالية، من الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية لمستويات قياسية.

كما تراجعت أنشطة الصيد البحري والقصف المتكرر على قوارب الصيادين في البحر العربي، والذي تسبب في فقدان الكثير من الناس أرزاقهم وارتفاع نسبة البطالة، حيث تعتمد شريحة كبيرة من المواطنين في الحديدة على الصيد كدخل رئيسي يعتمدون عليه.


فاطمة سالم من سكان الحديدة، وهي معلمة في مدرسة حكومية، تصف ذلك لـ"خيوط"، بالقول: "كانت الكهرباء تزين الشوارع وتضيء مصابيح رمضان في الأحياء الشعبية والحارات ويساهم التلفاز في بث الأجواء الرمضانية، كل هذا أصبح ذكريات بحياة السكان في الحديدة".

حتى أصوات الأطفال لم تعد تسمع في الساحات والأزقة، كما تؤكد فاطمة، بعد إن منع الأهالي أطفالهم من الخروج من المنازل، لما تركته الحرب من هلع ووحشة.

في ذات الخصوص، تتحدث فاطمة عن ضرورة وصول المساعدات التي تقدمها المنظمات للمستحقين، والتي قد تخفف العبء على المواطن الذي أصبح عاجزًا على شراء المواد الغذائية التي باتت أسعارها مشتعلة، ويزداد اشتعالها يومًا بعد يوم، وكذلك عودة الكهرباء التي قد تعيد جزءًا من الحياة للمدينة.

وباتت كثير من الأسر في الحديدة تتضور جوعًا، بسبب تردي الوضع المعيشي، حيث تتزايد أعداد الناس المحتاجين والجوعى بشكل كبير وغير مسبوق، حسب تصريح أم جواد لـ"خيوط"، وهي مسؤولة مشروع إفطار صائم، الذي يقدم وجبات للأسر الفقيرة داخل المدينة.

تقول أم جواد إن العديد من الأسر، التي غالبًا ما تكون فيها نساء عاجزات عن توفير لقمة العيش، ازدادت بشكل كبير في الفترة الأخيرة، ويجب أن يتكافل الجميع من أجل مساندة هذه الأسر.

بدورها (ر.ح)، وهي ناشطة متطوعة، تؤكد على ضرورة تفعيل العمل الخيري والإغاثي لمساعدة الأسر المحتاجة في الحديدة، إذ تسببت الحرب في زيادة نسبة الفقر، وأصبحت الكثير من الأسر، وفق حديثها لـ"خيوط"، تكتفي بوجبة واحدة في اليوم، وهو ما يؤدي إلى تفشي الأمراض وحالات سوء التغذية.

وتعتبر منظماتٌ دولية الحديدةَ من أشد المناطق فقرًا في اليمن، رغم ثرواتها الغنية ومينائها الثاني في البلاد.

ويعيش اليمن الذي تطحنه الحرب منذ ست سنوات، أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج أكثر من 20 مليون شخص (ما نسبته 80% من إجمالي عدد السكان) بحسب منظمات دولية، لمساعدات إنسانية عاجلة.
- نقلا عن خيوط