اليمن الإقتصادي :

 

 

أدى التباطؤ الاقتصادي في سلطنة عُمان الناجم عن الوباء، والذي تفاقم بسبب تقلبات سوق النفط الدولية، إلى سلسلة من الاحتجاجات الشبابية في البلاد.

إذ خرج مئات العاطلين عن العمل من الشباب العُماني إلى الشوارع في مايو/أيار الماضي؛ احتجاجا على التسريح الجماعي للعمال. وفي مواجهة ذلك، اضطرت الحكومة إلى استخدام القوة لقمع هذه الاحتجاجات.

بالنسبة للسلطان الجديد، "هيثم بن طارق آل سعيد"، ضاعفت هذه الاحتجاجات التحديات الاقتصادية والسياسية التي تنتظره.

في غضون ذلك، أعلنت حكومته عن 32 ألف فرصة عمل جديدة، إضافة إلى تقديم دعم للشركات الخاصة التي توظف الشباب العُماني.

وسيعتمد ثمار هذه الإجراءات على نجاحها في تحفيز النمو الاقتصادي.

ومع ذلك، لا زالت هناك حاجة لتقييم ما إذا كانت تلبية مطالب الشباب ستساعد السلطان "هيثم" في تأمين الشرعية الشعبية وتعزيز قيادته أم لا.

 

اقتصاد متدهور

لقد عمل السلطان "قابوس"، الذي حكم البلاد لـ50 عاما (1970-2020)، على تحديث عُمان وتحويلها من خلال زيادة التنويع الاقتصادي والتصنيع وإنتاج الغاز الطبيعي وتطوير البنية التحتية والخصخصة.

ومع ذلك، ظلت عُمان اقتصادا قائما بشكل رئيسي على النفط.

ودفع انهيار أسعار النفط عامي 2015 و2016، السلطان "قابوس" إلى تبني إصلاحات اقتصادية شملت خفضا جذريا في الإنفاق العام، وزيادة الضرائب، وخفض الدعم بنسبة 20%.

ومع ذلك، أدت هذه الإجراءات لاحقا إلى اندلاع اضطرابات عامي 2017-2018.

وأدى استنفاد الاحتياطيات وانخفاض أسعار النفط إلى تباطؤ اقتصادي وارتفاع في البطالة، خاصة بين الشباب.

كان الاقتصاد العُماني، المعتمد إلى حد كبير على تصدير الهيدروكربونات، عرضة للتقلبات في أسعار النفط العالمية.

كما أنه يعاني من مشكلات هيكلية من غير المرجح أن يتم حلها في أي وقت قريب.

إذ يمر إنتاج النفط العُماني بتباطؤ طويل الأجل. ووفقا لوزارة المالية في البلاد، سيقتصر النمو المستقبلي في احتياطيات الخام على التطبيق الناجح لتقنيات الاستخلاص المعزز للنفط، أو النفط المحسن.

إضافة إلى ذلك، تعتمد عُمان بشكل مفرط على التمويل الخارجي.

وبحسب تصنيفات وكالة "فيتش"، واجهت عُمان عجزا ماليا مرتفعا وسحبا من الاحتياطيات المالية عام 2020، وستكون رغبة المقرضين في تمويل احتياجات التمويل الضخمة للسلطنة أمرا بالغ الأهمية لاستدامة المالية الحكومية للبلاد.

 

صدمة كورونا

لقد ولدت خلافة "هيثم بن طارق آل سعيد" للسلطان الراحل "قابوس" في يناير/كانون الثاني 2020، الأمل لدى الشباب، لكن الحاكم الجديد ورث اقتصادا ضعيف الأداء، الأمر الذي يجبره على اتخاذ قرارات صعبة.

فقبل وصول السلطان "هيثم" إلى السلطة، تلقى الاقتصاد الضعيف في عُمان بالفعل ضربة بفعل الصدمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن الوباء.

إذ أدت تدابير احتواء الوباء إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي غير الهيدروكربوني بنسبة 10%، وانكماش الاقتصاد بنسبة 6.1% عام 2020.

وتمثلت الخسائر الأكبر في قطاعات مثل البناء والضيافة وتجارة الجملة والتجزئة.

ووفقا لصندوق النقد الدولي، أدى انخفاض الإيرادات الناتجة عن تراجع عادات النفط والانكماش الاقتصادي وتدابير الدعم المالي إلى اتساع العجز المالي؛ الذي ارتفع في عام 2020 إلى 17.3% من الناتج المحلي الإجمالي.

في ظل هذه الظروف، كان على عُمان أن تعتمد على إصدار السندات الخارجية، وسحب الودائع واستخدام أموال الصناديق السيادية، بجانب عائدات حملة الخصخصة.

ونتيجة لذلك، ارتفع الدين العُماني إلى 81% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020، من 60% عام 2019.

وتجدر الإشارة إلى أن عُمان، مثل معظم دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، ليس لديها احتياطي مالي كافٍ للاعتماد عليه.

 

تداعيات سياسية

سلطت الاحتجاجات في عُمان الضوء أيضا على التحديات السياسية التي يواجهها السلطان "هيثم".

فقد شهدت عُمان في الماضي احتجاجات تدعو إلى إجراء إصلاحات سياسية وفتح المجال أمام المشاركة السياسية.

إذ شهدت مسقط وغيرها من المدن الكبرى احتجاجات عامي 2011 و2012 بعد فترة وجيزة من تمدد الربيع العربي في المنطقة.

وتجددت تلك الاحتجاجات عامي 2017 و2018.

ورغم أن عُمان أدخلت منذ عام 2007 إصلاحات سياسية تدريجية من خلال إجراء انتخابات لمجلس الشورى ومجلس البلدية، لكنها لم تغير الوضع السياسي بشكل كبير.

فعُمان لا تزال ملكية مطلقة، ولا يزال الشباب الذين يتطلعون إلى المشاركة الديمقراطية محبطين.

وتؤكد الاحتجاجات الأخيرة، رغم أنها ركزت إلى حد كبير على القضايا الاقتصادية، وتأتي في وقت أعلنت فيه الحكومة تأجيلا غير محدد لانتخابات المجالس البلدية المقرر إجراؤها عام 2021 بسبب جائحة "كورونا"، على التحدي المتصاعد للسلطان "هيثم"، الذي أفادت التقارير بأنه كان اختيار السلطان "قابوس" ليخلفه في المنصب.

ونظرا للوتيرة البطيئة للإصلاحات السياسية في عُمان، يطالب الشباب بإجراءات متسارعة لنقل المزيد من السلطة إلى غرفتي مجلس عمان (مجلسي الدولة والشورى).

 

إصلاحات "هيثم" الاقتصادية

في العام ونصف العام الماضي، اتخذ السلطان "هيثم" عددا من الإجراءات لإنعاش الاقتصاد.

أولا، تركز الخطة الخمسية العاشرة (2021-2025) على التنويع الاقتصادي والاستدامة المالية وسوق العمل وتوظيف الشباب والاستثمار والقطاع الخاص، إلى جانب التركيز على التعليم والصحة وتنمية المهارات.

وتشمل القطاعات المخصصة للتنويع الاقتصادي الزراعة ومصايد الأسماك والتصنيع والنقل والطاقة والتعدين والسياحة.

ومن أجل تنويع اقتصادها، تركز عُمان على جذب رأس المال الأجنبي في القطاعات غير النفطية والقطاعات الموجهة للتصدير من خلال اتخاذ تدابير الإصلاح التنظيمي وتطوير البنية التحتية.

ثانيا، تعتزم الحكومة الاستفادة من الميزة الجغرافية للسلطنة في التحول إلى مركز لوجستي إقليمي.

ثالثا، تؤكد الحكومة على تلبية متطلبات الشركات الأجنبية من المشتريات المحلية، جنبا إلى جنب مع تعزيز تعمين القوى العاملة.

وفرض السلطان "هيثم" تخفيضا في ميزانية السلطات الحكومية بنسبة 10%، وأدخل ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% على مراحل، والطريقة المطبقة حاليا لتلك الضريبة تكون على الشركات التي تربح أكثر من مليون ريال عُماني. كما قلل من المنح، وخفض سن التقاعد، وأجور التعيينات الجديدة.

يتضح من الاحتجاجات أن الإصلاحات لم تلق استحسان الشباب العُماني.

وردا عليها، أعلنت الحكومة عن وظائف جديدة للشباب، وسرعت من تعمين القوى العاملة، وطلبت من شركات القطاع العام تعيين عمانيين بدلا من الموظفين الأجانب بحلول يوليو/تموز 2021. إذ يشكل الأجانب أكثر من 40% من سكان عُمان البالغ عددهم 4.6 ملايين.

وخصصت الحكومة 11 مهنة في القطاع الخاص للمواطنين العمانيين في يونيو/حزيران 2020.

وبين مارس/آذار 2020 ومارس/آذار 2021 ، غادر عمان أكثر من 200 ألف عامل مهاجر يعملون في القطاع الخاص.

ومع ذلك، ينظر الشباب العُماني إلى القطاع الخاص على أنه قطاع مستغل، ويبحثون عن وظائف في القطاع العام.

يتصاعد الاستياء وسط الشباب العُماني، الذي يطالب بحلول سريعة للمشاكل الاقتصادية، وهي مهمة صعبة بالنسبة للسلطان "هيثم" بالنظر إلى اعتماد البلاد على النفط.

 

الخلاصة

جددت الاحتجاجات الأخيرة التركيز على الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية وسياسية في عُمان.

ومن الواضح أن أي طريق قصير للإصلاحات لن يكون مفيدا على المدى الطويل.

إذ يجب أن تكون الإصلاحات منهجية، وأن تحقق استقرارا طويل الأمد في الدولة الخليجية ذات الموارد النفطية المتواضعة.

كما يجب أن تسير الإصلاحات الاقتصادية والسياسية جنبا إلى جنب، لكن الوقت عامل جوهري في هذا الصدد.

والبراعة تكمن في إبقاء الشباب راضين أثناء إعادة بعث الاقتصاد المتعثر.