اليمن الإقتصادي :

 

 

 

لا يزال كثير من طقوس العيد في الريف اليمني تسعد القلوب وتريح النفوس لدى كثير من الأسر اليمنية، رغم المعاناة والأحزان التي خلفتها الحروب والأزمات على مدى 7 سنوات.

في زيارة لبعض مناطق الريف في محافظتي تعز ولحج تتعرف على العديد من هذه الطقوس الدينية والاجتماعية، وكيف يعيش مجتمع الريف اليمني هذه الطقوس خلال أيام العيد.

 

العيد في الريف

الحديث عن طقوس، سواء كانت عيدية أو غير ذلك، هو حديث عن معتقدات تاريخية وعادات وتقاليد تترسخ كهوية حضارية وشعبية لأي شعب من الشعوب. هكذا قال الإعلامي نذير العاقل.

ويضيف أن "حبنا لقضاء إجازة العيد في الريف نابع من حبنا لصفاء الطبيعة، ولمجتمع الريف وفطرته السليمة، وقربنا من الناس، ووجوههم المملوءة بالفرح والغبطة.. ومصافحتهم وزيارتهم.. وكرمهم وضيافتهم.. وكل تلك التقاليد والطقوس التي ترسخت بداخلنا منذ الطفولة؛ هي ما يجعلنا نحن إليه، وهي ما تضفي على العيد النكهة التي لا نجدها في مكان آخر".

من جهتها، تقول مدير مكتب الثقافة بحكومة هادي في مديرية الشمايتين بتعز هيام التركي إن "طقوس العيد في الريف اليمني شكلت ثقافة المجتمع، وأنتجت موروثه الثقافي والتاريخي والحضاري، وطبعته في ذاكرة الإنسان اليمني منذ الصغر، وهي تعبير عن بساطة وجمال الإنسان الريفي المتجسد في روح الهوية وحب الخير ونشر الفرحة والسعادة والبهجة".

 

الطقوس العيدية

في مديرية المقاطرة- لحج، تجد مجتمعا ريفيا لا يزال يحافظ على كثير من الطقوس العيدية القديمة.

ويتحدث طه مقبل الدهمشي "ما إن تحل بشارات هلال العيد حتى يخرج الأطفال "للتماسي"، والمقصود بالتماسي هو ترديد الأهازيج وتوديع رمضان والترحيب بالعيد، بهدف إعلام الناس بقدوم العيد يقودهم الأخدام (المهمشون) بالطبول التي تضرب بإيقاعات فرائحية".

ويجتمع الرجال في دار يكون بجوارها مسجد، وتكون هذه الدار لكبير أو شخصية اعتبارية، فيؤدون صلاة العشاء في المسجد ويدخلون مباشرة إلى الدار المعتاد لإقامة مثل هذه المناسبات، وخلال ذلك يتصدر المجلس عدد من كبار السن الذين يقومون بتأدية الابتهالات والأدعية والأذكار وعدد من القصائد الدينية من الموروث الشعبي.

 

حتى قرب أذان الفجر

بعد ذلك يتجه الجمع للاغتسال، ثم الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة الفجر، ويتم التهليل والتكبير من بعد صلاة الفجر حتى صلاة العيد. وبعد إتمام صلاة العيد يتم التصافح والتسامح واجتماع الأسر للإفطار، ومن ثم زيارة الأرحام.

بعدها يتم دق الطبول والرقص اليمني بإيقاع فرائحي يشارك به كبار السن والأطفال والرجال حتى موعد آذان الظهر فيتجه الجميع إلى الصلاة، ومن ثم يذهب الكل إلى منازلهم لتناول وجبة الغداء.

ويضيف الباحث في الموروث الشعبي اليمني عبد الجبار جويبر "تختلف هذه الطقوس حسب القرية والمنطقة؛ فهناك اختلاف بسيط بين منطقة وأخرى من الخارطة الجغرافية اليمنية حسب العادات التي توارثتها القبائل من أسلافها".

 

العيد في الريف الجنوبي

في الريف الجنوبي يستهل العيد بقيام فرقة من المهمشين المعروفين باسم (الاخدام) بالمرور على بيوت القبائل، والصعود لسقف الدار وبداية الضرب على الطبول بدقة مميزة تنبئ بوصول العيد قبيل الشروق، وتمر بالتناوب على البيوت، حتى يحين بعدها التجهيز لصلاة العيد بالاغتسال والتطيب ولبس الثياب التقليدية الأصيلة بهيئتها المميزة المستمدة من التاريخ والجذور والهوية.

ثم يتوجه الجميع للمصافحة والتسامح وتناول الفطور الجماعي وزيارة الأرحام، وتوزيع الحلوى والعيدية على الصغار والكبار. بينما النساء ينشغلن بتنظيف البيوت وتزيينها، وعمل العطور والبخور، وكذا تجهيز وجبة الغداء.

 

ملتقى ثاني أيام العيد

ويضيف نذير العاقل أنه قديماً كان يقام ملتقى أو تجمع ثاني أيام العيد يجتمع فيه الأهالي، ويتوافدون من بعض مناطق محافظتي تعز ولحج يمارسون فيه الرقص وتبادل التهاني والتبريكات ومناقشة القضايا الاجتماعية حتى عصر ذلك اليوم؛ والعودة مرة أخرى لقراهم على وقع أصوات الطبول والرقص، وتستمر بعد ذلك إقامة الأعراس واللقاءات، والأسمار الليلية بأشكالها التقليدية القديمة حتى انتهاء فترة أيام العيد والتي تمتد 10 أيام.

 

 

الطقوس العيدية 

تقول هيام التركي إن الطقوس العيدية في الريف اليمني لم تعد موجودة كما كانت في السابق، لعوامل عديدة أهمها الحروب والأزمات الاقتصادية التي جعلت غالبية مجتمع الريف الموجود في المدن يعزف عن السفر إلى الريف لقضاء إجازة العيد، إضافة إلى غزو ثقافة المدينة للريف، وكذلك التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي التي ساعدت في غياب الكثير من هذه الطقوس والموروث الثقافي القديم.

ويرى جويبر أنه خلال العقود الأخيرة طرأ تغير على هذه العادات الأصيلة والمتوارثة فاندثر الكثير منها، ابتداء من تغيير هيئة الناس ولباسهم إلى نمط عيشهم وأنواع مأكولاتهم، فطغت روح المدينة بشكلها النمطي، وحلت عوضاً عنها حياة مدنية تستمد تفاصيلها من ثقافات مختلفة وافدة من كل أصقاع الكوكب، فتم طمس معالم الثقافات المحلية.

 

التمسك بروح الموروث

ومع هذا ظلت شريحة من الناس تحاول التمسك بموروثها العربي الأصيل في محاولة لتأكيد روح الخصوصية، والمحافظة على موروثها المستمد من تاريخها المتجذر.

ويختم جويبر حديثه بأنه في ظل عدم وجود استقرار سياسي فإنه لا يمكن لمكاتب الثقافة في المديريات القيام بالتوعية المنتظمة وتشجيع التمسك بروح الموروث، ووضع خطط حثيثة لبعث روح الأصالة وتجديد التمسك بهويتنا وعادتنا الاجتماعية.