اليمن الإقتصادي :

فوزي المنتصر

بعد مرور أكثر من ست سنوات من الحرب، يواجه اليمنيون عيد الفطر هذه السنة بغضب واستياء جراء ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية والمتطلبات المنزلية المختلفة، بما في ذلك كسوة العيد.

 

 إضافة إلى ذلك، يعيشون أوضاعاً مادية صعبة للغاية، بسبب انقطاع المرتبات، وارتفاع الاسعار، وتدهور قيمة العملة المحلية مقابل الدولار. إذ ارتفعت أسعار السلع الغذائية في الأشهر الماضية، وبدأ بالتحديد في يناير/ كانون الثاني 2021، بنسبة 17.5 بالمئة، مقارنة بالشهر نفسه من العام 2020. وفي غضون ذلك ارتفعت أسعار المشتقات النفطية أضعاف السعر المحدد رسمياً، وظلت واردات الوقود تدخل البلاد بكميات ضئيلة بسبب عدم السماح لسفن النفط بإفراغ حمولتها في ميناء الحديدة من قبل "التحالف العربي"، وخلافات أطراف النزاع بشأن إيرادات الميناء. وأدّت هذه الخلافات والندرة في المشتقات النفطية، إلى استمرار انقطاع مرتبات الآلاف من الموظفين الحكوميين وارتفاع أسعار المواد الغذائية، التي لازالت آخذة في الارتفاع حتى اللحظة.

 

بالإضافة لذلك، أثرت تداعيات الموجة الثانية من تفشي جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19) على الاقتصاد اليمني بشدة، ما أدى إلى مزيد من انهيار الاقتصاد وتفاقم سوء الوضع المعيشي للمواطنين بصورة أكبر مما كان عليه العام الماضي؛ حيث تسبب الأثر الاقتصادي للجائحة عالمياً في انخفاض أسعار النفط، والتداعيات الاقتصادية الأخرى التي انعكست سلباً على البلد.

 

  في سياق التداعيات الاقتصادية ذاتها، انخفضت القدرة الشرائية للمواطن اليمني، وأصبح همّه الوحيد هو الحصول على أدنى المتطلبات الأساسية للأيام العادية، فضلاً عن المناسبات التي منها الأعياد الدينية.

 

مواد غذائية بأسعار خيالية

 

  يشكو الحاج، يوسف الريمي (50 سنة) في حديثه لـ"خيوط"، من أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يخيفه بشكل كبير، وخصوصاً قُبيل أو أثناء أيام العيد، الذي يتطلب منه تلبية مستلزمات كثيرة لعائلته. ويضيف أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية أجبرته على حذف الكثير من قائمة متطلبات العيد التي كان وعائلته معتادين على شرائها في أعياد السنوات السابقة، بما في ذلك "عَسَب العيد"، وهي النقود التي يسلّم بها الرجال على نساء الأسرة وأطفالها.

 

  أما أحمد وهبان (42 سنة)، وأب لستة أبناء، فيقول إنه لا شيء يشغله مع اقتراب عيد الفطر سوى الحصول على أسطوانة غاز، حيث يتنقّل يومياً للبحث في الكثير من الحارات المجاورة لعله يجد عاقل حارة يقبل بإرفاق اسمه ضمن المستفيدين من الغاز الموفّر بالسعر الرسمي. ذلك أن البديل لعدم حصوله على أسطوانة غاز قبل العيد، هو شراء الخبز من الأفران التي غالباً ما  تكون مغلقة أثناء أيام العيد.

 

  بات الحصول على أسطوانة غاز في أيام العيد أصعب ما يمكن الحصول عليه، على حد قول وهبان، إذن "أن كل شيء يمكن تدبيره"، موضحا أن هناك بدائل لبعض المتطلبات والاحتياجات الأخرى، فمن لم يقدر على شراء ملابس جديدة، فحتما سيلجأ لشراء ملابس مستعملة أو ملابس ذات جودة متواضعة بأسعار أقل، وحينها قد يكون أضاف نوعاً من الفرحة على أفراد أسرته وخصوصا الأطفال. ويستدرك في ذات الوقت، أن "الغاز ليس له بديل سوى أنك ترى نفسك لا شيء أمام من ينتظرون منك أن تنقذهم في يوم كيوم العيد".

 

وبحسب استطلاع للجنة الإنقاذ الدولية أجرته في الفترة من فبراير/ شباط 2016 – أكتوبر/ تشرين الأول 2020، ونشرتها في مارس/ أذار 2021، فإن السلع الغذائية الرئيسية في اليمن شهدت زيادة في الأسعار بنسبة تزيد عن 100٪ ، حيث ارتفع سعر طحين القمح بنسبة 133٪، وارتفع سعر الزيت النباتي بنسبة 96٪، وارتفع سعر الأرز بنسبة 164٪، خلال فترة الاستطلاع.

 

  وكشف الاستطلاع عن مدى تأثير ارتفاع الاسعار المضاعفة للمواد الغذائية الذي أدي إلى استراتيجيات تأقلم سلبية واسعة النطاق، بما في ذلك اضطرار العائلات لتقليل عدد الوجبات اليومية، أو كمية الطعام المستهلكة، أو تناول الأطعمة التي تفتقر إلى العناصر الغذائية، مثل الخبز والشاي.

 

  وفي نتائج الاستطلاع، أفاد 66٪ أنهم اضطروا إلى تقليل عدد الوجبات التي يتم تناولها، 74٪ يعتمدون على أغذية أقل تفضيلاً وأقل تكلفة، 71٪ اضطروا إلى استعارة الطعام أو طلب المساعدة من الأصدقاء والأقارب، 68٪ اضطروا إلى الحدّ من حجم طعامهم في وقت الوجبة، 57٪ اضطروا إلى تقييد استهلاك البالغين حتى يأكل الأطفال الصغار، إضافة إلى أن ثلاثة من كل خمسة يمنيين شملهم الاستطلاع من قبل لجنة الإنقاذ الدولية، لا يستطيعون تحمّل تكاليف المواد الأساسية، والبعض يلجأ إلى عمالة الأطفال وزواج الأطفال لتخفيف النفقات.

 

كسوة العيد للميسورين فقط

 

  "لم يعد بمقدوري في هذا العيد الايفاء بكسوة العيد لبناتي حسب رغباتهن، بسبب الارتفاع الجنوني وغير المتوقع لأسعار الملابس، فلم أستطع شراء كل ما خططت لشرائه قبل الذهاب إلى التسوق"، ذلك ما قالته لـ"خيوط"، أم سمر (35 سنة)، وهي خارجة برفقة بناتها من أحد متاجر الملابس في "باب شُعُوب" بصنعاء.

 

  بعد ما يقارب ساعة وهي تتنقل من متجر إلى آخر علّها تجد فساتين لبناتها الثلاث بسعر معقول وقماش بجودة متوسطة، وجدت أم سمر الأسعار مرتفعة جداً وليس في يدها حيلة، فلجأت لشراء ثلاثة فساتين، سعر كل واحد منها 14000 ألف ريال (ما يعادل 23$)، مع الإشارة إلى أن أكبر هذه الفساتين هو لفتاة لم تتجاوز 13 سنة- كما قالت.

 

  ومع استمرار شحة فرص العمل، وانقطاع مرتبات الموظفين والذين صاروا يتسلمون مرتباتهم بشكل جزئي، وعادةً ما يستلموا مقابلها سلالاً غذائية؛ تزايد انهيار القدرة الشرائية للكثير من أولئك الموظفين، ولم يعد باستطاعتهم الذهاب للتسوق بسبب انعدام السيولة النقدية لديهم.

 

عباس أحمد (30 سنة)، مدرّس تربوي ولديه ستة أبناء، يقول في حديثه لـ"خيوط"، إنه في ظل انقطاع المرتبات منذ العام 2016، أصبح يرى نفسه عالة على أخيه الأصغر، فاستمراره في التدريس الذي لا يتلقى عنه سوى نصف راتب بين فترة وأخرى أو سلة غذائية، لا يوفر له أبسط مقومات الحياة العادية، ناهيك عن المناسبات الدينية، مثل رمضان والعيد وغير ذلك من المناسبات.

 

  عباس أوضح في حديثه أن العيد بات في نظره مأزقاً كبيراً قد لا يمكنه النجاة منه، ولكنه يحاول أن يبحث عن طرق للنجاة بأي ثمن، وذلك من خلال البحث عمّن يقرضه المال لكي يتمكن من شراء كسوة العيد لأطفاله؛ حتى لا يقع في موقف الأب الخائب- على حد تعبيره- الذي لم يستطع أن يوفّر كسوة أولاده في كل عيد، أي مرتين في السنة.

  • خيوط