اليمن الإقتصادي :

غدير طيرة
لشهر رمضان في اليمن أجواء روحانية وطابع مميز يختلف عن أي مكان آخر حول العالم، حيث يستقبله اليمنيون بفرحة كبيرة تعم الجميع من أصغر أفراد العائلة إلى أكبرها. ويحتفظ المجتمع اليمني خلال شهر رمضان بعاداته وتقاليده، لكي لا تندثر تلك العادات مع مرور الزمن. 
في محافظة الحديدة، غربي اليمن، يمارس الأهالي عادات قديمة عريقة توارثوها عن أجدادهم، تحكي روح التراث والأصالة والمحبة والتواصل الديني والأخلاقي والحياتي فيما بينهم، وهي عادات تكاد غالبيتها أن تندثر بفعل استمرار الحرب.
فما هي أبرز العادات والتقاليد المنتشرة في محافظة الحديدة خلال الشهر الفضيل؟

عادات وتقاليد
تقول وحي أحمد إن أهالي الحديدة لديهم عادات عديدة يقومون بها في استقبال رمضان قبل أن يهلّ هلال الشهر المبارك، وأن ذلك يتكرر في كل عام. إذ تبدأ الأسواق بالازدحام لشراء المواد الغذائية المتنوعة اللازمة لشهر الصوم، وكذلك بتزين المنازل من الداخل، ويزينون خارجها بالفوانيس والشرائط وعبارات ترحيبية برمضان، ويبدأ الناس بزيارة الأهل والأقارب والجيران، مبتهلين بقدومه.
ومع حلول أول أيام رمضان، تبدأ العائلات بتحضير أشهى المأكولات، وغالباً ما تحضّر في أغلب المنازل نفس الأطباق، كالشُّربة و"السنبوسة" والـ"كريم كراميل" و"اللحوح" (خبز رقيق ولدِن يعتبر المكون الأساسي لطبق الشَّفُوت)، مع اللبن الرائب أو كما يسميه سكان الحديدة "الرَّيبة"، كما أن وجود التمر والعصائر أساسي على الإفطار.
كما تظهر في رمضان الحديدة مأكولات يندر وجودها في غيره من شهور السنة، ومنها "الزّرَيمة"، "السمسمية" المحلاة بالسكر و"البلوزية" و"الخوع" و"حلوى الخاجلة".
تبدأ العائلة بتناول وجبة الافطار عند أذان صلاة المغرب كما هو معروف في كافة المجتمعات المسلمة، ومن ثمّ يقومون لأداء صلاة المغرب، وبعد ذلك يأتي دور الوجبة الرئيسية في رمضان؛ "العَشاء". وهنا يختلف كل منزل في تحضيره لوجبة العَشاء، وبعدها تبدأ صلاة العِشاء وصلاة التراويح، وهي أكثر الصلوات التي تُشعرك بروحانية رمضان. بعد صلاة التراويح تذهب بعض النساء لزيارة الأهل أو الجيران والأصدقاء، ومع اقتراب موعد وجبة "السحور"، يعدن مرة أخرى إلى المطبخ لتحضيرها. تختلف وجبة السحور من بيت لآخر، وتعتمد على تفضيلات الأشخاص، وبعد السحور يتجه الناس لصلاة الفجر، وينتهي اليوم الرمضاني ويتكرر الروتين في كل يوم من أيام شهر الصوم على نفس المنوال.


استقبال رمضان
بمجرد ثبوت الهلال وإعلان شهر رمضان، يعمّ الفرح بين اليمنيين كما في باقي دول العالم العربي والإسلامي، ويبدأ الناس بتبادل التهاني بحلول الشهر الفضيل. وبالرغم من تطور علم الفلك، وسهولة رصد أيام الشهور القمرية، إلّا أن المجتمع اليمني مازال يفضل الطريقة التقليدية لمعرفة بدء شهر رمضان، وهي الطريقة التشويقية التي تعتمد على رصد الهلال من قبل هيئة علماء الدين، فيترقب الجميع في آخر أيام شهر شعبان إعلان مفتي الجمهورية خبر رؤية الهلال للتأكيد على حلول شهر رمضان. في هذا اليوم تكون مظاهر استقبال شهر الصوم قد خفتت، حيث تتوقف مكبرات الصوت عن الترحيب برمضان قبل ليلتين من حلوله.

  يقول الدكتور عبدالودود مقشر، عن عادات وتقاليد استقبال رمضان في مدينة البحر الأحمر، إن ذلك "يبدأ عملياً ليلة الـ15 من شعبان وهي ليلة "الشعبانية".

 ويضيف في حديث لـ"خيوط" أن في هذه الليلة "تبدأ المساجد بعد صلاة العشاء بالترحيب برمضان، فيبتهج الناس لذلك، خاصة الاطفال الذين يسمعون هذا الترحيب ويرددون: "مرحباً مرحبا". ويرتفع صوت المرحِّب الشجي بعبارات من قبيل: "الصلاة والسلام عليك يا سيد المرسلين، مرحباً بك مرحبا يا شهر رمضان، مرحباً بك يا شهر القران، مرحباً بك يا شهر التوبة والغفران، مرحباً بك يا شهر المصابيح، مرحباً بك يا شهر الرحمات، مرحباً بك يا شهر التراويح، مرحباً بك يا شهر البركات، مرحباً بك يا شهر الخيرات، مرحباً بك يا شهر الحسنات، مرحباً بك يا شهر الزكوات، مرحباً بك يا شهر الصلوات"، وهكذا دواليك.

  وتقوم النساء بتنظيف المنازل بدقة عالية وتغيير ملاءات الأسِرَةِ والمقاعد وغرف الاستقبال وتنظيفها وغسلها، وتجديد ما بلي واستبداله، وأحيانا طلاء المنازل وتفقّد إنارتها، ومتابعة ما يحتاجه المطبخ من الأواني، فيتولّد بذلك إحساس العائلة بأنها مقبلة على شهر استثنائي. 

"الشعبانية"- "البهجة"

يبدأ الاستعداد لرمضان منذ منتصف شهر شعبان، حيث تسود عادة صيام "الشعبانية" لدى أهالي الحديدة، وهو يوم الـ14 من شعبان، كما يسمى هذا اليوم في تهامة أيضاً بـ"البهجة". الاحتفال بـ"الشعبانية"- "البهجة" عادة في مختلف المناطق اليمنية، ولا يزال أهالي الحديدة يتمسكون بهذه العادة حتى يومنا هذا، ويبدأ لديهم الاستعداد لاستقبال شهر رمضان من اليوم التالي لـ"الشعبانية". إذ يخصصون أيضاً يوماً للاحتفال بقدوم رمضان يجتمع فيه الأهل والأصدقاء والجيران، ويتم تقديم أصناف من الأكلات الشعبية والحلويات، وتمتلئ الشوارع والأسواق بلافتات ولوحات ترجيبية بهذا الشهر الفضيل، ويُقبل الجميع على شراء أصناف الأطعمة الرمضانية استعداداً للصيام.


شواهد لملامح رمضانية 
من ملامح شهر رمضان البارزة في الحديدة مدفع الإفطار، الذي يطلق طلقة عند موعد أذان المغرب إيذاناً بإفطار الصائمين، وأخرى عند صلاة الفجر إيذاناً ببدء يوم جديد من الصوم والامتناع عن الأكل والشرب.
وللجدات والأمهات عادات وعبارات تقال عند التلفّظ بنيّة الصيام لتعويدهم على الالتزام بالصوم بما لا يضر بصحتهم. إذ اعتاد الناس في الحديدة، كما في مناطق يمنية أخرى التلفظ بنيّة الصيام علناً خلال الليل أو قبل السحور، وفي هذه الحالة يريد الأطفال تقليد الكبار في ذلك فتصيغ لهم أمهاتهم وجداتهم عبارات خاصة بهم. أشهر تلك العبارات: "نويت أصوم قفا البيت، إن جُعت كَلْتْ وإن غبّيت عمِيت"، ومعناها (نويت أصوم خلف البيت، إذا جُعت أكلت وإن عطشت أغمضت عينيّ وشربت).
ومن ملامح الاحتفاء بقدوم رمضان في هذه المحافظة الساحلية، تجديد طلاء المساجد بالنورة (طلاء أبيض)، بينما يتم طلاء المنارات والقباب باللون الأخضر، ولا يخلو هذا الاحتفاء من عبارة "مرحّب يا رمضان" على المساجد. كما يقوم الأهالي بتنظيف المساجد وغسيل سجّادها وفراشها، أما المغتربين في المملكة العربية السعودية من الأهالي، فهدية قدومهم لمساجد قراهم وحاراتهم، تكون إما بتوزيع المصاحف أو بعض السجّاد الجديد.
 لا تقتصر ملامح الاحتفاء برمضان على ذلك، إذ يتم أيضاً تجليد المصاحف وحباكة أغلفتها، وتوفير البخور والعطر للمساجد، إضافة للمسابح والسمسم وحلاوة البندري والقهوة. وفي المساجد أيضاً يتم الاحتفال بختم قراءة القرآن ويسمى "التهليلة" كل ليلة جمعة، كما تقام هذه العادة في المجالس التهامية وتُكلل بقراءة "المولد"، ودعاء ختم القرآن. وهناك أسماء مختلفة لختم القرآن في الحديدة، مثل "ختم المسجد"، "ختم البخاري"، "ختم الذكية" و"ختم عطا".
 ومن عادات استقبال هذا الشهر أيضاً تنظيف المقابر وإعادة طلاء الأضرحة باللون الأبيض، وتستعد الأربطة والمنازل العلمية (المنزلة هي المكان المخصص للمنصب أو للعالم أو لأسرة علمية مشهورة) ومبارِز تخزين القات كذلك من خلال تنظيفها وطلائها بالأبيض، وزيادة مصاحفها من أجل القراءة الرمضانية، التي تسمى "الراتب".

صلاة التراويح

لصلاة التراويح في الحديدة أجواء تصل بروحانية رمضان إلى ذروتها، حيث تستقدم بعض المناطق مقرئين من ذوي الأصوات الجميلة في تلاوة القرآن مقابل بعض العطايا، كما تسمع بعد صلاة التراويح تهاليل الأطفال أثناء خروجهم من الجامع.

مسميات خاصة لليالي رمضان
تشتهر في الحديدة ليالي معدودات من ليالي رمضان بمسميات تحمل مدلولات روحية تنبع من الممارسة الحياتية والبعد الديني لهذه الليالي ومن أبرزها:
1) ليلة التشهير: وهي الليلة الأولى من ليالي رمضان، وعادة ما يقوم الأب والأخوة بزيارة أقاربهم حاملين معهم الهدايا مهما كانت بسيطة، وترد الأخوات أو الأقارب الزيارة في الليلة الثانية.
2) الليلة اليوسفية: وتوافق هذه الليلة قراءة سورة يوسف في صلاة التراويح، فتذهب الزوجة التي لم يمرّ أكثر من سنة على زواجها، مع زوجها للإفطار والعشاء في بيت أهلها، وتصبح عادة سنوية وتقام أيضاً في بعض "المنازل العلمية" الاحتفال بهذه الليلة وقراءة المولد والأذكار والموشحات الدينية.
3) ليلة بدر: وتسمى أيضاً "البدرية"، ويحتفل فيها بقراءة "منظومة شهداء بدر" وتذكر سيَرهم والتوسل بهم.
4) ليلة القدر: وهي الليلة التي يُحتفل بها في العالم الإسلامي ليلة 27 رمضان.

أواخر رمضان
"ريشان واريشان لَفْلِفْ ملاعقك، ريشان واريشان العيد يلاحقك".
هذه واحدة من الأهازيج التي يرددها الأطفال في الحديدة عند اقتراب موعد عيد الفطر، وذلك خلال العشر الأواخر من شهر رمضان، التي يزداد فيها الإقبال على العبادات من جهة، ومن جهة أخرى، يبدأ الناس في الاستعداد لعيد الفطر بالتسوق وشراء الملابس، وتنظيف وتزيين البيوت وصنع الحلويات والكعك، من أجل العيد.
- المصدر : خيوط